
المحرر: عبد الجبار محمد جرجيس | عدد المشاهدات: 1736
في الربع الاول من القرن العشرين نمت مهنة نسائية هي (غسالات الصوف) هذه المهنةكان نهر دجلة في ساحله الايسر مشاعاً لها وبالتحديد من الجسر الخشبي الذي كان في العهد العثماني والذي بقايا قناطره ظاهرة للعيان قرب مدخل جسر نينوى الحديدي.
البقعة الساحلية مقابل قهوة الثوب التي كانت في موقع الكورنيش الحالي قرب جامع الاغوات هي المكان الافضل للمارسة هذه المهنة ومنها باتجاه مدينة الالعاب.
مارس هذه المهنة بعض النسوة من منطقة جوبة البكارة ومحلة الميدان وباب الطوب لقرب هذه المحلات من النهر.
والساحل الايسر كما هو معلوم لم يكن اهلا بالسكان بل يكاد ان يكون خاليا من السكن باستثناء قرية (الفيصلية) الحالية.
فهدوء المنطقة وانحسار قوة الماء في فصل الصيف عاملان اساسيان في اختيار هذه المنطقة لغسل الصوف.
في الموصل كانت تجارة الصوف وتصديره رائجة خاصة الى تركيا وسوريا وبعض الدول ونشط التاجر عبد القادر زكريا والتاجر عزيز بيشون بممارسة هذه التجارة واستحدثوا وكلاء لهم ليقوموا بتشغيل هؤلاء النسوة وتنظيم عقود عمل لهن وطرق التشغيل حيث عرف ان المشرف على اعمالهن يدعى (المعلان) واذا كانت مشرفة عرفت (بالمعلانة).
اشهر من مارس تنظيم هذه المهنة المرحوم (صفاوي) ومن ساعده في هذا العمل ولده المرحوم (ياسين الفرج) واستمر العمل بهذه التجارة.
كان الصوف ينقل الى مكان الغسل بواسطة الدواب وبعدها العربات حيث يوضع شبكات من الخيوط بمساحة من صفة النهر ويبدأ عزل الصوف وتنظيفه من اوساخ الحيوانات وتتم نقل العاملات من الضفة اليمنى الى الضفة اليسرى بواسطة الابلام جمع (بلم) من وسائل النقل النهري حتى الآن.
وكان عدد هؤلاء غير قليل يزداد بازدياد موسم قص صوف الاغنام ربيعا وحتى اواخر الصيف.
يبدأ العمل منذ الصباح الى ما بعد العصر او قريبا من المساء.
معظم العاملات من النسوة الذين لهن القدرة على العمل وتحمل الجهد والصبر على مواصلة العمل طيلة النهار.
ومنهن من كن يقضين هذه الفترة من العمل والجهد بقليلاً من اللهو والغناء.
وبعضهن كن يغنين باصوات جميلة واداء غنائي جيد ومنه العتابا والسويحلي وبعض الشباب يطيب لهم سماع الاغاني والاهازيج التي ينشدنها هؤلاء النسوة.
وقد يتعلق البعض منهم ببعض النسوة او الفتيات وهو ما يسمى بالحب العذري حتى في اختبار هؤلاء العاملات كانت المجاملة تبدو عن البعض منهن.
حيث يقوم (المعلان) او المشرف على العمل بتشغيل بعضهن طبقا لهواه.
فكانت احداهن تصيح بالسويحلي الذي مطلعه بقولها: (عينك علينا.
.
ماطولنا جيران) اما الاخرى فهي تصيح باحدى الاغاني الجميلة التي يطرب منها الشباب فتقول: اتهيم بجرهن لو صحت بتالي الليل وبلاد الارض ما شفت حسن الزين بنهدو طعني لمن شبكني الزين وما جاء عني خلّص عليّ بالعين وتجاوبها اخرى ردا على ما رددته من الابيات السابقة بتلهفها بسماع خبرهم فتقول: منين معبرهم ارد اسأل البلام وجاني خبرهم حطن حرس عالباب واشتهر سوق الصوافة الذي تم انشائه سنة 1834م من قبل الوالي العثماني (محمد اينجه بيرقدار) وتخصص في بيع وشراء الاصواف التي يجلبها اصحاب الاغنام في فصل الربيع بعد موسم قص الصوف حيث يتم شراؤها ويكلف بعض الفتيان بتنظيف الاوساخ والعوالق من (جزز) جمع جزمة وهي صوف الخروف او النعجة وقد اعتاد بعض اصحاب تربية الاغنام الاتفاق مع بعض الصوافة بشراء صوف اغنامه فهو يجلبها الى دكانه في السوق مباشرة.
لقد كانت المهنة من المهن المشهورة في المدينة كما ساعد على نموها وتطورها عددا تاسيس معمل نجيب الجادر قرب الفيصلية والذي استوعب بعضا من عاملات غسل الصوف في معمله حيث اشتهرت الموصل باصوافها النظيفة والتي تصدر بكميات هائلة الى سوريا وتركيا وبلاد اخرى وما تزال تجارة الصوف من المهن المتواصلة ويصدر ايضا العديد من اطنان الصوف الى الخارج.
في منتصف القرن العشرين طالب احد مدراء البلدية السابقين نقل مركز او مراكز غسل الصوف الى مواقع اخرى.
وكان هذا الخبر يوم شؤم على غسالات الصوف حيث كن قد اعتادوا على هذه الامكنة لقربها من الموصل.
وغسالات الصوف عرفن بقوتهن وعدم خوفهن من احد وكن متعاونات فيما بينهن اذا ماحدث لاحداهن خلاف مع احد كان جميع النسوة العاملات معها.
وحدة متماسكة في تلك الظروف كان قرار ترحيلهن من ضفاف نهر دجلة موقعهم المعتاد الا ان البعض منهن ثاروا على هذا القرار واستنكروه.
ورددت احداهن قولها المشهور دون خوف وردد الجميع اهزوجة شعبية ناقدة باسلوب مستهجن لقرار رئيس البلدية.
ومن هذه الاهزوجة: حس ضراط بذاك الجنب اسمع ياريس البلدية فهي تقول له بيانك وقرارك مثل حس (الضرطة) فاسمع انت ياريس البلدية.
وهكذا عدل رئيس البلدية عن قراره خوفا من ان يسمع نقدا لاذعا اكبر مما سمعه الآن.
او لعله يحفظ قول سيد شهاب المليسي العلوي في ذمه لاحد القضاة الذي اهداه ربعي مجيدي (عملة تركية) لقاء ما قام به من مدحه لهذا القاضي الذي منحه هذا المبلغ الزهيد فقال: عن ضرطة واحدة عبروا بالربع في ام الربيعين واليوم في مدح لحكم القضا اجازني القاضي بربعين وفي فترة الخمسينات انتقل البعض منهن الى الغسل على شاطيء الخوصر بالقرب من مدخل مدينة الالعاب الرئيس حيث يوجد هناك خان للصوف فقام النسوة بغسل الصوف في هذه المنطقة لذات كانت المياه في نهر الخوصر دائما ملوثة يجري فيها بقايا اوساخ الصوف.
ومع تطور الزمن وانشاء معامل الغسل الحديثة وتوسع البناء في الساحل الايسر تقلص عمل هؤلاء النسوة واصبحت هذه المهنة من المهن البائدة التي سادت فترة من الزمن والى جانب ذلك كان النسوة في الموصل وفي الدور القريبة يذهبن الى سواحل النهر من مدخل باب شط القلعة او شط الجومة وهن يحملن الملابس الوسخة واواني الطعام ليغسلنها في نهر دجلة لعدم وجود اسالة الماء او الحنفيات في الدور الموصلية حتى منتصف القرن الماضي لذا كان النسوة يجلبن امتعتهن وغدائهن الى الشاطىء يغسلن ما جلبوه من الألبسة والاواني ويبقين الى ما بعد العصر فيتغدين ويشربن الشاي ثم يقفلون عائدين الى دورهم.
وخاصة كانت اماكن غسلهم وتواجدهم قرب غسالات الصوف.
هذه لمحة مبسطة عن هذه المهنة التي كانت النساء اسيادها.
2014-12-03